21 يناير 2024
تحت رعاية الدكتور علاء عبد الهادي رئيس النقابة العامة لاتحاد كتاب مصر والأمين العام للاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، عقدت شعبة الدراما برئاسة الشاعر سعيد شحاته ندوتها الشهرية يوم الثلاثاء ١٦ يناير ٢٠٢٤م لمناقشة كتاب "احتمالات"/مجموعة مسرحيات للكاتب شريف عبد المجيد، استضافت الندوة الناقد د. رضا عطية، الكاتب سامح وهيب، الكاتبة بهاء إبراهيم، بحضور أعضاء لجنة الشعبة وجمع من الأدباء والشعراء والمسرحيين.
أدار اللقاء الشاعر سعيد شحاته الذي استهل كلمته مرحبًا بالحضور ومعبرًا عن إعجابه بكتابات شريف عبد المجيد واصفًا إياه بالباحث الدءوب، القادر على صنع الدهشة في كتاباته القصصية والمسرحية؛ وبرغم حصوله على عدد من الجوائز إلا أنه لم ينل حقه مسرحيًا شأنه شأن كتاب كثر في مصر، وتساءل هل الكاتب مبدع أم علاقات عامة؟!، وهل لديه وقت كاف للبحث عن خشبة المسرح أم المسرح هو الذي يبحث عنه؟!، ووصف مجموعة احتمالات بأنها مجموعة مدهشة وجديدة على الساحة الأدبية؛ وفي ذلك مكسب كبير لخشبة المسرح،
ووجه سؤاله للكاتب عن الفروق بين شريف القاص الذي حقق نجاحًا لافتًا في كتابة القصة القصيرة وبين شريف المسرحي؟.
فأجاب القاص والمسرحي شريف عبد المجيد أنه لم يكن في ذهنه الكتابة للمسرح، فهو يستمتع بكتابة القصة القصيرة والتصوير الفوتوغرافي؛ ولكن الكاتب تأتيه أفكار مختلفة وتحتاج للتعبير عنها في أشكال جديدة؛ وتحدث عن صعوبات نشر النصوص المسرحية بالنسبة لدور النشر، كما تطرق لأشكال المعاناة التي تواجه كتاب وصناع المسرح لاسيما فيما يخص الإنتاج المسرحي، وذكر أنه كان يتمنى دخول رجال الأعمال في الإنتاج للمسرح حتى يخرج المسرح من عثراته المادية.
وتحدثت الكاتبة بهاء إبراهيم عن تميز كتابات شريف عبد المجيد في المجموعة المسرحية "احتمالات"، وذكرت أنها اشتمت روائح كافكا في النصوص؛ لوجود مشاعر المعاناة والتشاؤم والقلق حتى صار التحقق هدفًا خياليا، وتحدثت عن وجود المعاناة وعدم التحقق في المسرحية الأولى والثانية من نصوص المجموعة، كما تحدثت عن توظيف العامية المصرية في النصين الأول والثاني، ومناسبة الفصحى واستخدامها بالشكل الأمثل في المسرحية الثالثة، وأضافت أن النصوص الثلاثة فيهم ثلاثية الجريمة والهلوسة والأسى، وتمتاز المسرحية الثالثة "احتمالات" بالمضمون الكلاسيكي الذي يضم " الزوج والزوجة والعشيق"؛ لكن الشكل لم يكن كلاسيكيا، ورأت أن العامية خدمت النصين الأول والثاني نظرًا لوجود أسلوب السخرية والكوميديا السوداء، في حين كانت الفصحى هي الأنسب لنص احتمالات، وعن السمات العامة للمجموعة المسرحية ذكرت أن النصوص مليئة بالتكثيف والاختزال، والمشهد المسرحي جاء مرسومًا بعين مخرج التليفزيون، والحوارات جاءت محكمة، وأشادت بنص احتمالات لما به من روح المغامرة والتجريب.
وبدأ الكاتب سامح وهيب كلمته بالحديث عن المسرحية الثالثة التي تميزت بتحررها من عنصري الزمان والمكان، واحتوائها على جرعة فكر عالية، إضافة إلى الإشباع والتساؤلات، وذكر أن نصوص شريف عبد المجيد مليئة بعدة تقنيات منها:" جذب انتباه المتفرج أو القارئ و إنتاج تماس بين العمل والمتلقي"، كما أشار لاستخدام الكاتب لاستهلالات متعددة في نص الوصية، واستخدامه لمجموعة من الأمور الحسية من حياة الناس، ففي كونشيرتو الزوجين والراديو بدأ بمشهد حسي جاذب، ومجموعة من الأحداث الحركية، ووصف نص احتمالات بالطابع الذهني في موضوعه، والتنوع في مسارات الاحتمالات من إثارة ومتعة وتوظيف "ماذا بعد"؟، كما أشار لتأصيل المجرد المطلوب من خلال الحدث الجذاب، واستخدامه مستويين للإيهام البصري مع قدر من التلاعب والمراوغة، وفي نص الزوج والزوجة وكونشيرتو الراديو، الكاتب لا ينصاع لاشتراطات الواقع؛ فالزوجة تواجه المجتمع بالمزيد من العمل، وغالبًا بالوهم، وهم خياطة للطفل الذي لم يأت، وتشوه مهنة الباحثين عن الحقيقة من رجال الشرطة، كما استفاض في شرح نص " الوصية" الذي لاندرك فيه طبيعة الصراع الموجود منذ البداية، فالأم ماتت والابنه لاتعترف بموتها ويختتم النص بجملة تأويلية بديعة وهي " هتوحشيني يا امه" وتساءل وهيب في ختام كلمته.. هل يجوز ربط الأحياء بالأموات تحت أي ظرف؟!، وأكد أن شريف عبد المجيد استفاد بشكل كبير من المسرح العالمي.
وتحدث الناقد د. رضا عطية مشيدًا بكتابات شريف عبد المجيد سواء القصصية أو المسرحية وذكر أنه توقع فوزه بجائزة ساويرس عن مجموعته "خدمات ما بعد البيع" وقد حدث، ويتوقع له الفوز في جوائز أخرى، وذكر أن نص "الوصية" به بناءً نفسيا مركبًا، وشخصيات نسائية يجمعهن نوع من التمايز في رؤية الحياة والعالم، وهذاالتمايز بين الرؤى بني عليه الوصية دراميًا، وأشار إلى أنه كان يفضل أن يكون الحوار في نص الوصية أقصر نظرًا لطوله النسبي، وأشاد بنص "احتمالات" معتبره واحدًا من النصوص الجديرة بالحصول على تقدير أدبي خاص، وذكر أن كتابات شريف عبد المجيد تتميز بمجموعة من المبادئ في الكتابة منها حسن استفادته من تعلمه لفن السيناريو والعمل السينمائي، وهيكلة آلية الحوار في المسرح، وهناك العديد من الدلالات التي استفاد بها في المسرح مثل " الإضاءة و الديكور وملامح الوجوه والمكياج، وكذلك استفادته من أكثر من اتجاه مسرحي داخل المسرح، وأشاد بكسره للحاجز الرابع أو الحاجز التخييلي، وتحدث عن المكون الأرسطي أو التماهي شبه التام والتام والمسرح ضد الأرسطي الذي يقوم على قطع هذا التماهي، كما تحدث عن سيمولوجيا التسمية عند شريف عبد المجيد موضحًا أنه يختار أسماء شخصياته بعناية شديدة مثال ذلك دلالة أسماء المهرجين الثلاثة ذكي وسفسط وعواطف؛ فالمهرجون الثلاثة إشارة لمكونات الذات الإنسانية المتجادلة، والحوارت بينهما لها أكثر من بعد، ويوجد قدر ما من الرمزية الإيحائية، والإنسان يقف أمام عديد من الاحتمالات، وذكر أن الشخصية في النص الأدبي هي صوت، كما تحدث عن فكرة مشاركة الجمهور في النص وتعميم الاحتمالية في كل مكان في العالم وخروجه بتفاصيلها إلى مآلات رمزية أخرى، وتحدث عن المثلث الدرامي الشهير وأن أي موقف حياتي يحتمل تقلبه على عديد من الاحتمالات؛ وهنا تنامي لتصدير الإشكالية، كما تحدث عن استخدام الكاتب الخروج من الحيز الجزئي إلى الحكمة والمثل الثائر، وتحدث عن إجادته لاستخدام حركة الممثل، والإسقاط الإضائي على الشخصيات، واستخدامه لفكرة الضوء والظل، والإبراز النفسي للصراع الدرامي.
وقرأت الكاتبة بهاء إبراهيم رسالة صوتية من المهندس واصف مكرم الله حول المجموعة المسرحية ذاكرًا أن الكاتب بشكل عام يتنازعه في العمل فضح "حالات" مرضية في المجتمع المصري المعاصر بشكل أقرب للوصف الواقعي و لو بشكل ساخر ومعالجة أقرب لمسرح اللامعقول، وذكر أنه بقراءة الثلاث مسرحيات في هذه المجموعة تكَوَن لديه انطباع أن الكاتب يجرب أشكالاً جديدة عليه في البناء المسرحي لذلك لم يأت مكتملاً خصوصا في "كونشيرتو الزوجين و الراديو" و "احتمالات"، وذكر أن المسرحية الأولى الأكثر محافظةً و تقليديةً كانت الأجدر بإطلاق عنوانها على المجموعة الثلاثية ككل ، فهي الأقرب للاكتمال، و لعل ذلك يوحي بأن وجدان الكاتب الإبداعي لم يبعد كثيراً عن شجرة الواقعية، وأضاف أن الكاتب شريف عبد المجيد يلمس برهافة حس عدداً من أمراض المجتمع المصري المعاصر التي فجرها بشكل درامي بارع في المسرحيات الثلاث، وذكر أنه يزعم أن الكاتب المسرحي شريف عبد المجيد قد سقط في فخ الميلودرامية لبعض الوقت في عدد من المشاهد في المسرحيتين الأخيرتين، و قد يكون ذلك عن قصد منه إمعاناً في السخرية من مواضع الوباء في مجتمعنا المعاصر، وتصور أنه كان يمكنه التريث في تطور المشاهد، و ربما نسج بناءً أكثر لا معقولية قد يكون أكثر فاعلية و صدماً للمشاهد و هو في النهاية الهدف من أي عمل فني .
وفي الختام قدم التهنئة للكاتب على امتلاكه لقدرة إنشاء الحوار الجذاب دوماً و الحاد الموجع في أحيان كثيرة مما مكنه من إنشاء رابطة حميمية مع القارئ و بالأخص المشاهد أمام خشبة المسرح .
وختمت الندوة بعدد من المداخلات الثرية التي أشادت بالمجموعة المسرحية وبكاتبها القاص والمسرحي شريف عبد المجيد.