في العقدين الأخيرين، برزت تركيا كلاعب رئيسي في أفريقيا، مدفوعةً برؤية استراتيجية تهدف إلى توسيع نفوذها السياسي والاقتصادي والثقافي في القارة. وبينما يتراجع دور بعض القوى التقليدية، تملأ أنقرة الفراغ مستفيدة من أدوات القوة الناعمة والمساعدات الإنسانية، معززة حضورها عبر الاستثمارات، التعليم، والدبلوماسية الدينية.
الانطلاقة: من شعار “الانفتاح على أفريقيا” إلى “الشراكة الاستراتيجية”
بدأت ملامح التوجه التركي نحو أفريقيا تتبلور بوضوح منذ عام 2005، عندما أعلنت أنقرة العام نفسه “عام أفريقيا”. وفي العام ذاته، حصلت تركيا على صفة “عضو مراقب” في الاتحاد الأفريقي، ثم تمت ترقيتها إلى "شريك استراتيجي" في قمة إسطنبول الأولى للتعاون بين تركيا وأفريقيا عام 2008.
أرقام تعكس التمدد التركي
- عدد السفارات التركية في أفريقيا ارتفع من 12 سفارة في 2002 إلى 44 سفارة في 2024، موزعة على شمال وجنوب وغرب وشرق القارة.
- حجم التبادل التجاري بين تركيا وأفريقيا ارتفع من 5.4 مليار دولار في عام 2003 إلى 40.7 مليار دولار في عام 2023، بحسب بيانات وزارة التجارة التركية.
- تركيا استثمرت في أكثر من 1500 مشروع في أفريقيا، بقيمة إجمالية تقدر بنحو 78 مليار دولار، وفقًا لتقارير هيئة الإحصاء التركية ووكالة التعاون والتنسيق (تيكا).
النفوذ الناعم: التعليم والدين والإنسانية
تتبنى تركيا سياسة القوة الناعمة عبر أدوات متعددة:
1- التعليم:
- مؤسسة “معارف” التركية تدير أكثر من 200 مدرسة في نحو 26 دولة أفريقية.
- عشرات الآلاف من الطلاب الأفارقة حصلوا على منح دراسية حكومية للدراسة في الجامعات التركية منذ 2010.
2- الدين:
- رئاسة الشؤون الدينية التركية تنشط في القارة من خلال ترميم المساجد وتدريب الأئمة.
- بناء المساجد الكبرى مثل مسجد كينشاسا في الكونغو الديمقراطية ومسجد أكرا في غانا.
3- المساعدات الإنسانية:
- وكالة التعاون والتنسيق التركية (تيكا) تنفذ مشاريع إنمائية وطبية وزراعية.
- مؤسسة الإغاثة الإنسانية (IHH) نشطة في مناطق الأزمات مثل الصومال، حيث افتتحت تركيا أول مستشفى تعليمي تركي خارج البلاد في مقديشو عام 2011.
الحضور العسكري والأمني
- تركيا وقّعت اتفاقيات دفاع وتدريب أمني مع أكثر من 15 دولة أفريقية.
- القاعدة العسكرية في الصومال (افتُتحت في 2017) هي الأكبر لتركيا خارج أراضيها، وتستخدم لتدريب القوات الصومالية.
- تصدير الطائرات المسيّرة التركية (Bayraktar TB2) إلى دول مثل إثيوبيا، نيجيريا، توغو، وبوركينا فاسو زاد من التأثير التركي في الأمن الإقليمي.
التحديات وردود الأفعال
رغم النجاحات، تواجه تركيا تحديات تتعلق بـ:
- التنافس مع قوى كبرى مثل الصين، روسيا، وفرنسا.
- الانتقادات بشأن أجندتها الدينية أو دورها في الصراعات الإقليمية.
- تأثر بعض مشاريعها بعد الانقلاب الفاشل في 2016، خاصة تلك التي كانت تديرها منظمات مرتبطة بجماعة غولن.
تركيا والقارة الواعدة
في ضوء التوسع السريع والمتعدد الأبعاد ، يبدو أن تركيا تعتبر أفريقيا ساحة استراتيجية لتعزيز مكانتها كقوة إقليمية ذات طموحات عالمية. ومع استمرار المبادرات في مجالات البنية التحتية، الأمن، والتعليم، فإن النفوذ التركي في أفريقيا مرشح لمزيد من النمو، مع إمكانية الدخول في تحالفات أعمق وتنافس أشد مع القوى الأخرى في القارة.
تركيا
افريقيا
القارة السمراء
الاتحاد الافريقي
الصين
روسيا
فرنسا
حياة نيوز
يحيى الشربيني