06 ابريل 2025
أثار تصريح الشيخ السلفي ياسر برهامي، والذي أفتى بعدم جواز الدفاع عن أهل غزة بدعوى وجود معاهدة بين مصر والعدو الصهيوني، جدلاً واسعًا واستنكارًا كبيرًا من قبل العلماء والدعاة وعموم المسلمين. ولأن القضية تتعلق بأصل من أصول الدين، وهو نصرة المسلمين المستضعفين، فلا بد من بيان الموقف الشرعي المؤصل بالقرآن الكريم والسنّة النبوية، بعيدًا عن التأويلات السياسية والفتاوى الموجهة.
أولاً: نصرة المسلمين فريضة شرعية لا تسقط بالمعاهدات
قال الله تعالى:
{وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ} [الأنفال: 72].
استدل الشيخ برهامي بهذه الآية على سقوط وجوب النصرة بسبب وجود ميثاق، لكن النظر في سياق الآية وتفسير العلماء يبين أن هذا الاستثناء إنما هو في حال وجود ميثاق بين المسلمين أنفسهم وبين قوم مسالمين لا يقاتلونهم، وليس مع عدو يغتصب أرض المسلمين ويقتل أطفالهم ونساءهم صباح مساء.
قال الإمام الطبري في تفسير الآية: "فإذا كان بينكم وبين قوم عهد، فلا تقاتلوهم نصرة لإخوانكم، ما لم ينقضوا العهد، أو يبدؤوكم بالعدوان."، فإذا نقض العدو العهد أو اعتدى على المسلمين، سقطت حرمة الميثاق وبطل أثره.
والعدو الصهيوني لم يلتزم يومًا بأي ميثاق، بل يقتل ويهدم ويغتصب الأراضي ليل نهار، فلا يصح التذرع بميثاق لم يعد له وجود إلا على الورق.
ثانيًا: وجوب نصرة المستضعفين من المسلمين
قال الله تعالى:
{وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ...} [النساء: 75].
الآية الكريمة توبّخ المؤمنين إذا تقاعسوا عن نصرة إخوانهم المستضعفين. وأهل غزة اليوم هم مصداق المستضعفين الذين نصّ الله على وجوب نصرتهم.
وقد أجمعت كتب التفسير على أن هذا من أوجب الجهاد، لأنه للدفع عن المستضعفين، وهو من الجهاد الدفاعي الذي لا يُشترط فيه إذن الإمام ولا السلطان.
ثالثًا: لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق
حتى لو وُجدت معاهدة تقيّد الدولة، فلا يجوز شرعًا أن تمنع المسلمين من أداء فريضة النصرة.
قال النبي صلى الله عليه وسلم:
"لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق" [رواه البخاري].
فإذا أمر حاكم أو نظام أو شيخ بعدم نصرة مسلم مظلوم بحجة الاتفاقيات، ففتواه مردودة عليه، لأنه خالف بها صريح القرآن والسنة.
رابعًا: فتاوى مثل هذه تمثل خيانة للأمة الإسلامية
الإسلام دين النصرة والولاء، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يخذله..." [رواه البخاري ومسلم].
وخذلان المسلم في وقت حاجته إلى النصرة جريمة عظيمة في ميزان الشريعة، لا تبررها معاهدات ولا مصالح سياسية.
فى الختام :
إن فتوى ياسر برهامي بعدم جواز نصرة أهل غزة بدعوى وجود ميثاق هي فتوى باطلة شرعًا، تخالف أصول الإسلام وروحه وجوهر الجهاد، وتصب في مصلحة العدو الصهيوني الذي لا يحترم ميثاقًا ولا عهدًا.
والواجب على علماء الأمة أن يبينوا الحق، ويقفوا مع المظلومين، لا أن يكونوا عونًا للظالم بفتاوى تخذل المسلمين وتفرّط في دمائهم.
الكاتب مصطفى زايد
باحث ومتخصص في الشأن الصوفي والديني