11 مارس 2025
على مدار التاريخ، ارتبطت بعض المشروبات بمجالس الصوفية، حيث لم يكن اختيارها عشوائيًا، بل جاء بناءً على فوائدها وتأثيرها في الصفاء الروحي واليقظة الذهنية. ومن أشهر هذه المشروبات القهوة، التي أصبحت رمزًا لحلقات الذكر، إلى جانب الزنجبيل والشاي الأخضر وماء الورد، والتي لكل منها مكانة خاصة عند الصوفية.
في هذا المقال، سنتعرف على المشروبات التي استخدمها الصوفية، ولماذا فضّلوها، وما قاله مشايخهم عنها.
القهوة: المشروب الأشهر عند الصوفية
١ ـ لماذا اختارها الصوفية؟
القهوة مشروب منتشر اليوم في العالم كله، لكنها كانت في الماضي مشروبًا مميزًا للصوفية. ظهرت أولًا في اليمن، ويقال إن الشيخ علي بن عمر الشاذلي (ت. 821هـ) تلميذ الشيخ ابا الحسن الشاذلى هو أول من استخدمها لتحفيز الذكر والعبادة. وقد عرفها الشيخ على بن عمر الشاذلى فى بلاد الحبشة عند زيارته لها واخذها معه إلى بلده اليمن ومن هناك انتقلت إلى مصر وتركيا وبقية العالم الإسلامي.
فوائد القهوة للصوفية
اليقظة والتنشيط: تساعد القهوة على مقاومة النعاس، مما يجعلها مثالية لحلقات الذكر والتأمل الطويلة.
زيادة التركيز: تحتوي القهوة على الكافيين، الذي يساعد على حضور القلب في الذكر والتأمل.
رمز للتآلف: كانت تُشرب القهوة في المجالس الصوفية كوسيلة لتعزيز الروابط الروحية والاجتماعية.
٢ ـ أقوال الصوفية عن القهوة
يقول الإمام عبد الغني النابلسي (ت. 1143هـ): "القهوة مدد لأهل الله، تعينهم على السهر في محبة الله وذكره".
كما يقول المؤرخ عبد الرحمن الجبرتي (ت. 1237هـ): "كانت القهوة مشروب أهل السلوك، يُتقوَّى بها على العبادة، ويجتمعون عليها في حلقات الذكر".
مشروبات أخرى عند الصوفية
١ ـ الزنجبيل: مشروب النشاط والطاقة
الزنجبيل من المشروبات التي استخدمها بعض الصوفية بسبب تأثيره في تنشيط الجسد وزيادة التركيز.
يقول الإمام عبد الوهاب الشعراني (ت. 973هـ): "الزنجبيل مشروب أهل السير، يُدفئ القلب، ويفتح منافذ الذكر".
كما يقول الشيخ محيي الدين بن عربي (ت. 638هـ): "المشارب تختلف باختلاف الأحوال، فمنهم من يشرب الماء البارد، ومنهم من يشرب شراب الزنجبيل لاستجلاب النشاط".
٢ ـ الشاي الأخضر: مشروب الحكمة والتأمل
انتشر الشاي الأخضر بين الصوفية في الشرق الأقصى، وكان يُنظر إليه بوصفه مشروبًا يعين على التأمل العميق وصفاء الذهن.
يقول الشيخ أحمد زروق (ت. 899هـ): "الشاي الأخضر مشروب أهل الحكمة، فيه لطف ورقة، يعين على الفكر والتدبر".
٣ ـ ماء الورد: مشروب الصفاء الروحي
كان ماء الورد من المشروبات التي استخدمها الصوفية لتهدئة النفس وتنقية القلب.
يقول الشيخ محمد الرواس (ت. 1282هـ): "ماء الورد رمز الصفاء، يشربه أهل المحبة ليصفو القلب من كدر الدنيا".
فى الختام
لم تكن هذه المشروبات مجرد عادات، بل كانت أدوات روحية تساعد الصوفية على الذكر والتأمل. القهوة كانت رمزًا لليقظة، والزنجبيل يعزز النشاط، والشاي الأخضر يساعد على التفكير العميق، وماء الورد يرمز إلى الصفاء الروحي. لذلك، ظلت هذه المشروبات جزءًا من الإرث الصوفي حتى اليوم.
المصادر
١ ـ عبد الغني النابلسي، الحقيقة والمجاز في رحلة الشام والحجاز، دار الفكر، ص. 187.
٢ ـ عبد الرحمن الجبرتي، عجائب الآثار في التراجم والأخبار، المطبعة الأميرية، ج 2، ص. 213.
٣ ـ عبد الوهاب الشعراني، لطائف المنن والأخلاق، دار الكتب العلمية، ص. 45.
٤ ـ محيي الدين بن عربي، الفتوحات المكية، دار صادر، ج 4، ص. 312.
٥ ـ أحمد زروق، قواعد التصوف، دار الفكر، ص. 91.
٦ ـ محمد الرواس، الروح في الكلام على الأرواح، المكتبة الأزهرية، ص. 134.