06 مارس 2025
التصوف ليس مجرد أفكار أو نصوص يمكن قراءتها وفهمها بسهولة. هو عالم عميق مليء بالإشارات والرموز التي تحتاج إلى تجربة روحية حقيقية لفك شفراتها. كثيرون يتحدثون عن التصوف، لكن قليلون هم من يعيشونه. ومن بين الذين كتبوا وتحدثوا عن التصوف نجد المفكر والأديب يوسف زيدان، الذي قدم أعمالًا مهمة في هذا المجال، لكن يبقى السؤال: هل قراءة التصوف كافية لفهمه؟
يوسف زيدان معروف بكتاباته عن التراث الصوفي، مثل كتابه "التصوف: قراءة جديدة" وروايته الشهيرة "عزازيل". رغم ذلك، هناك فرق كبير بين من يقرأ عن التصوف ومن يعيشه. التصوف ليس مجرد كلام أو نصوص، بل هو تجربة روحية تحتاج إلى انغماس في الذات وفهم عميق لأسراره. الصوفية أنفسهم يقولون: "من ذاق عرف"، أي أن المعرفة الحقيقية تأتي من خلال التجربة، وليس من خلال القراءة فقط.
اللغة الصوفية مليئة بالإشارات والرموز التي قد تبدو غامضة لمن لم يعش التجربة. مصطلحات مثل "الفناء" و"البقاء" و"الوجد" ليست مجرد كلمات عادية، بل هي تعبيرات عن حالات روحية عميقة. يوسف زيدان حاول تفسير هذه المصطلحات من خلال النصوص، لكنه قد يكون قد وقع في فخ القراءة النظريّة دون الغوص في التجربة الروحية. وهذا ما يجعله، بحسب رأي بعض الصوفية، "معذورًا" لأنه يتحدث عن شيء لم يختبره بشكل كامل.
هل يمكن للباحث أن يفهم التصوف دون تجربة؟ القراءة والبحث النظري مهمان لفهم الجوانب التاريخية والفلسفية للتصوف، لكنهما لا يكفيان لفهم الجوهر الروحي. التصوف هو طريق للوصول إلى الحقيقة الإلهية، وهذا الطريق لا يمكن اجتيازه إلا من خلال التجربة الذاتية. لذلك، يظل يوسف زيدان، رغم جهوده الكبيرة، بعيدًا عن فهم التصوف بشكل كامل لأنه لم يعش التجربة الروحية. وهذا لا يقلل من قيمة أعماله، بل يسلط الضوء على الفرق بين المعرفة النظرية والمعرفة الروحية
في النهاية، التصوف عالم غني مليء بالأسرار التي تحتاج إلى من يقترب منها بتواضع وانفتاح روحي. القراءة مهمة، لكنها لا تكفي وحدها. المعرفة الحقيقية للتصوف تأتي من خلال الذوق الروحي، وليس من خلال القراءة فقط. وهذا ما يؤكده الصوفية بقولهم: "من ذاق عرف".