06 نوفمبر 2024
ما بين فوز ترامب وخسارة هاريس، يبقى العرب على مدار عقود مضت هم الضحية الدائمة، للحاكم الأمريكي، منذ قيام دولة إسرائيل، فالأمريكان يرون أن وجود إسرائيل واستمراريتها مهم كأهمية أن تبقى أمريكا متماسكة بولاياتها الــ 50،
وهذا الوجود الحتمي لدولة اليهود، يُحتم على واشنطن الدعم غير المشروط والدائم للكيان الإسرائيلي المحتل، وبات الأمر محفوظًا بشكل كامل، ولا فارق بين إذا كان الرئيس الأمريكي من الحزب الجمهوري، أو الديمقراطي،
يقابله جهل عربي واضح أو قل" بلاهة" من الحكام العرب، في تكرار مستفز للأخطاء، رغم أن كل الشواهد تقول أن" أمريكا لم ولن تتخلى عن إسرائيل مع التأكيد على أن تبقى قوية متفوقة من حيث العدة والعتاد على كل الدول العربية مجتمعة.
#فوز_ترامب لن يغير من الأمر شيئًا فيما يخص القضايا العربية، وبالطبع على رأسها القضية الفلسطينية، ولمن يوقف حرب الإبادة المستمرة ضد سكان غزة، أمام أعين العالم،
فأمريكا ترى أن ما يجري ماهو سوى دفاع لإسرائيل عن نفسها، وهو ما أكدت عليه المرشحة الديمقراطية كاميلا هاريس في أكثر من مناسبة، أثناء حملاتها الإنتخابية، قبل سقوطها المروع أمام ترامب،
وهو ما يفسر الحالة التي نتحدث عنها بأن إسرائيل لأي حاكم أمريكي هي بمثابة الطعام والهواء، ويبقى ترامب أسير هو الآخر كما من سبقوه للصهيونية، والدولة اليهودية،
وتابعنا جميعًا تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بعد فوزه، إذ وصف فوز ترامب بالعودة العظيمة، ولما لا وهو الذي سبق واعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل وأمر بنقل سفارة أمريكا إليه،
وكافأ نتنياهو باعترافه بسيادة إسرائيل الإقليمية على الجولان، التي استولت عليها من سوريا خلال حرب عام 1967، وضمتها لاحقًا في خطوة إنفرادية في تحدي سافر لقرارات الشرعية الدولية،
فلا قيمة للعرب وسط هؤلاء المستعمرين الجدد، إذا هم لم يجدوا لأنفسهم قيمة والوقوف صفًا واحدًا أمام هذا التغطرس الإسرائيلي المدعوم أمريكا،
في الوقت الذي يشهد العالم تحديات كبيرة، ومتغيرات، تنذر بالأسوأ، فالعالم اليوم أكثر تعقيدًا وتشابكًا، حيث تتعدد القوى المؤثرة وتتزايد التنافسات على النفوذ.
كما أن التحديات العالمية مثل تغير المناخ والإرهاب والفقر تتطلب تعاونًا دوليًّا، وهو ما يجعل الانطواء على الذات أمرًا صعبًا،
فلا مفر من تقارب عربي لدرجة الإندماج في كيانات بحسب خارطة الوطن العربي الجيوسياسية، لو أرادو لأنفسهم النهوض والتأثير إقليميًّا وعالميًّا، وهم قادرون على ذلك لو خلصت النوايا.
على العرب أن يغيروا من نظرتهم تجاه السياسة الأمريكية في المنطقة، خاصة أن هناك عواصم عربية مؤثرة، أصبحت على علاقة وثيقة بإسرائيل،
ووصلت العلاقات الدبلوماسية بتمثيل دبلوماسي بين الطرفين، بتبادل السفراء، في خطوة حسبها المطبعون أنها ستسهل كثيرًا من حل قضية الشعب الفلسطيني العادلة،
كما سبق وصرح أحد المسؤولين في دولة خليجية قائلًا: "تطبيع دولتنا مع إسرائيل يسهل من حل القضية الفلسطينية، بإقامة هذه العلاقات المباشرة".. التصريح يبدو في ظاهره أنه حقيقة،
إلا أن نتيناهو استقبله وقتها باستعلاء واستهزاء، فإسرائيل تسعى لتفتيت الموقف العربي بشكل دائم، بألا لا يجتمع على صوت وقرار مؤثر واحد، وهو ما نجحت فيه في آخر عقدين وكادت تضيع القضية الفلسطينية،
لولا المقاومة الباسلة، التي غيرت من مواقف دول كثيرة، والبعض يراجع نفسه الآن بعد الإبادة الواضحة للشعب الفلسطيني.
البعض يراهن على حماقة ترامب وتهوره في بعض السياسات، وقد يؤدي لخلق أزمات في الداخل الأمريكي، ومن ثم تفقد أمريكا هيمنتها على العالم كقطب إحادي يعد الأمر الناهي في الشؤون الدولية في ولايته الأولى،
إلا أن هذا لن يقع في القريب العاجل، خاصة أن ترامب راهن على العمل على قوة الإقتصاد الأمريكي ونجح في جذب الناخبين ليصوتوا له، وبنظرة سريعة على التاريخ، يضرب بعض المحللين مثلًا بالإمبراطورية الرومانية.
فكما لم تنته الإمبراطورية الرومانية فجأة، بل شهدت فترة طويلة من الانحدار قبل أن تسقط، فإن الولايات المتحدة قد تمر بمرحلة مماثلة. فبعد أن كانت القوة المهيمنة على العالم لعقود طويلة،
قد تواجه صعوبات في الحفاظ على هذه الهيمنة في ظل التغيرات الجيوسياسية والاقتصادية المتسارعة، بما يعني أن نهاية أمريكا ليست وشيكة، بل مستمرة،
خاصة بانشغال روسيا بالحرب الأوكرانية، والغرب الذي يرى أن خروجه من عباءة أمريكا أمر صعب، وحالة حدوثه قد يحدث فراغًا يستغله الروس بعودة الإمبراطورية الروسية، وهو ليس حلم ببعيد على الروس.
على العرب ألا يعولوا كثيرًا على ترامب في حل بعض المشكلات أو حتى إنصافهم، والعمل على حل عادل للقضية الفلسطينية،
فهذا لن يقع، فترامب صهيوني أكثر من نتنيناهو نفسه، وقد تكون ولايته الثانية أكثر خرابُا وفوضى لمنطقة الشرق الأوسط.