10 مارس 2024
المؤمنون لا يراهنون.. من يراهن يضع في حسبانه الخسارة.. المؤمنون يعيشون لأجل إيمانهم.. لإجل تحقيق ما يؤمنون به.. وأسمى مراحل الإيمان.. الإيمان بالله الذي يلزمنا بالإيمان بالأوطان.. وحب الوطن من حب الله بل هو فرض، لذلك وقف النبي صلى الله عليه وسلم مودعًا وطنه مكة الذي أجبر على الخروج منه فوقف قائلًا مخاطبًا مكة أم القرى: "ما أطيبك من بلد وأحبك إلى ولوا أن قومي أخرجوني منك ما سكنت غيرك".
في ذلك المعنى قال رفاعة الطهطاوي في نونيته:
يا صاح حب الوطن ... حلية كل فطن
محبة الأوطان ... من شعب الإيمان
من الحقائق التي تضاهي أشعة الشمس في ظهيرة قيظ ولا ينكرها إلا نكير أن أبا الوطنية في أعلى مراتب الفطنة التي اكتسبها من إيمانه بربه ووطنه.. يدور مع وطنه وأبناء جلدته دوران العلة مع معلولها، وارتباط السبب مع مسببه.
الوطنية، وحب الوطن.. سمات مشتركة قدت ملامحه وأسرته جميعًا.. فتشابهت الوجوه والقلوب والأرواح.. كأنهم واحد في حب بلادهم.. وكم من أجساد تسكنها روح واحدة.. فإذا أبصرته أبصرتهم وإذا أبصرتهم أبصرته.. في وجوههم إباء جبال الجنوب.. وعطاء النيل في فيضه.. وسهولة الشمال وسماحة الدلتا وإنسيابية حقولها.. في وجهه ووجوههم مصر.. تاريخها في الجباه.. وحاضرها العيون.. ومستقبلها في ابتسامة الوجوه.. إنها عائلة ممتدة أصولها وجذورها في صعيد مصر منذ الفتح الإسلامي لمصر، تاريخ مشهور ومعروف لكل من يهتم بأصول عائلات الصعيد.
من يعيشون في الصعيد يعلمون أهمية النسابة.. الذين يبحرون في التاريخ البعيد قبل القريب، يصدرون تاريخًا حقيقيًا لمصر ولعائلاتها لا سيما في الصعيد، رغم شغله بالعمل الوطني والسياسي؛ إلا أنه يمكن وصفه بكل أريحية إنه أحد أهم النسابة في مصر، يجمع بين تأصيل العائلات والقبائل والتاريخ وبين التاريخ الوطني والسياسي فجمع بين أمرين كليهما غاية في الصعوبة.. وجمع بينهما بإخلاص
منذ الحقبة الناصرية بدأ همه ببلاده، عاش نجاحات ثورة الثالث والعشرين من يوليو، وعاني من إخفاقاتها.. في دراسته الجامعية في عهد الرئيس الشهيد السادات كان له إجتهادات وطنية لا تنسى في الجامعة وبعدها والتفاصيل لا يتسع لها مجال وليست خافية على أحد.
تجاوز إهتمامه بوطنه إلى فلسطين الحبيبة، إذ هو دون منازع منذ صغره أهم مناصري فلسطين ونشاطه لمساندة القضية الفلسطينية لا يتسع له مجال.
مواقفه تدور مع مصلحة البلد، صُنف معارضا.. وصُنف مناصرا.. ولا هو ذلك ولا ذاك ولا هو بينهما.. هو عاشق لبلاده مؤمن بها عارض من أجلها وناصر في سبيلها.
في عهد زائل.. استفتى عليه الناس فجاء نجاحه باهرًا إلا أن ذلك لم يعجب النظام الزائل ورغم تقدمه بفارق كبير زُورت الانتخابات ضده ليفوز بها أحد رموز الحزب الوطني المنحل رغم فارق الأصوات الكبير لصالح أبي الوطنية؛ وفي انتخابات أخرى جاء تقدمه كاسحًا بمئات الآلاف عن أقرب منافسيه فعسُر التزوير ويَسُر الحق.
كاد الكائدون.. ومكر الماكرون.. "ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله".. فساء مكرهم وحاق بهم ما ساءوا
في جلسة لم تتجاوز الدقائق الثلاث.. انقلب فيها نظام الدوائر الإنتخابية للبلاد.. فقط حتى يحولوا بينه وبين الناس وخدمتهم.
فجر قضايا لا يمكن حصرها ضد رموز نظام مبارك.. حتى كان دون منازع أحد أهم نواب الشعب الذين حاربوا الفساد.. وما قضايا عز الدخيلة والعلاج على نفقة الدولة والعشرات غيرها منا ببعيد.
في غفلة من الزمن اختطفت البلاد جماعة إرهابية، فكان أشد المعارضين.. حتى من الله علينا بثورة جليلة خرج فيها المصريون عن بكرة أبيهم في الثلاثين من يونيو ضد حكم الإرهاب وكان خروجهم تكليلا لجهوده.
لا تخلو أمم من رجال.. وفي حالنا هذا فإن أبا الوطنية التي يستحقها دون شك هو رجل بأمة.. في المجال التاريخي والأكاديمي له عشرات الكتب التي تمثل موسوعة سياسية وشعبية وعربية ودولية.. تكفي من يقرأها بأن يلم بتاريخ بلادنا وبلاد العرب وهمومهم.. ويكون خبيرًا منصفًا بفضل هذه الكتب الهامة.
خاض معارك كبيرة بقلمه وأسس مشروعًا صحفيًا وطنيًا ما زال منارة للتجارب الصحفية المصرية والعربية انتصر فيها لبلاده وللمصريين دون أن ينتصر لنفسه.
له آلاف الحلقات ضمن العديد من البرامج على الكثير من القنوات الفضائية، ضمت كل نواحي الحياة في مصر وما زالت.. أخرج من جعبته الكثير.. وما زال داخلها الكثير الذي ينتظره المصريون جميعًا.
سيف على أعداء وطنه.. ندى على بلده وأبناء جلدته.. رغم عدائه في وطنه وحبه في وطنه يضع نصب عينيه شرف العداء وكرامة الحب.. على عكس جماعات إرهابية خاضوا فيه بغير حق .. فكان ما يفتروه وسامًا على صدره يراه المصريون شرفًا في الوطن.. إنهم لا يعادون شخصه.. يعادون وطنه ويعادون فيه حبه لوطنه وإيمانه به ويعادون وطنيته.
هو أبو الوطنية.. تنزف دماؤه مع نزيف بلاده وأبنائه.. تجري في شرايينه وطنيته كابر عن كابر.. وكأن الوطنية إرث في جينات عائلته البكرية بتاريخها الطويل في حب الوطن وخدمة أبنائه.. لا حاجة لذكر اسمه كما أنه لا حاجة لقول أن شمس نهار صيف ساطعة وأن قمر السماء بدر في ليلته الرابعة عشر من ديمومة دورانه.. التي تدوم ما دام الكون.. كما تبقى وطنيته في شخصه وفي جيناته ما دامت مصر .. تدوم أمم برجال.. ولاتضيع أمم فيها رجال بأمم مثل أبي الوطنية.. مثل "البكري" مصطفى بكري.