24 فبراير 2024
تهلُ علينا بعد ساعات معدودة ليلة النصف من شعبان، وهي ليلة من أعظم الليالي وأجملها، حاباها الله بفضل عظيم وخير كثير،
وأحياها عبادة المؤمنين الطامحين إلى عفوه ومغفرته بالدعاء والقيام والذكر الحكيم.
إنها ليلة من أعظم الليالي، ونفحة ربانية، يطلع الله فيها على عباده، فيغفر للمستغفرين، ويرحم المسترحمين، ويدع أهل الحقد بحقدهم حتى يدعوه،
ومن ثم فهي فرصة عظيمة للتقرب إلى الله سبحانه وتعالى وطلب المغفرة والرحمة منه.
وهي ليلة قال عنها سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الله ليطلع ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه، إلا لمشرك أو مشاحن"،
والمشاحن هو الذي يضمر الشر والحقد لغيره دون وجه حق ــ أعاذنا الله وإياكم من شره ــ، ومن ثم تصبح ليلة النصف من شعبان فرصة سانحة لتطهير القلوب من الحقد والغل والحسد، وتدريبها على الطاعة والحب والصفاء وتمني الخير للناس،
وهو ما له فوائد نفسية وروحية عظيمة للإنسان في وقت سيطرت فيه المادية على كل ما هو روحي.
وهي ليلة قال عنها رسول الله "إذا كانت ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها، وصوموا يومها، فإن الله تبارك وتعالى ينزل فيها لغروب الشمس إلى السماء الدنيا فيقول ألا من مستغفر فأغفر له، ألا من مسترزق فأرزقه، ألا من مبتلى فأعافيه، ألا كذا ألا كذا حتى يطلع الفجر".
ومن ثم فهي فرصة للدعاء للمرضى والمبتلين، وللفقراء والمساكين الذين ضاقت أرزاقهم. وهو ما أكده الإمام الشافعي رحمه الله، حين قال "إن الدعاء يستجاب في خمس ليالٍ: في ليلة الجمعة، وليلة الأضحى، وليلة الفطر، وأول ليلة من رجب، وليلة النصف من شعبان".
إن هذا الفضل العظيم الذي خص الله به هذه الليلة المباركة يجعل ثواب العمل فيها عظيمًا للغاية، ومن ثم فإن الذنب فيها عظيم أيضًا،
حيث إن ارتكاب المعاصي في هذه الليلة المباركة يُعد تحديًا لله سبحانه وتعالى، ورفضًا لمنحه وعطاياه، واستهتارًا بنعمه التي أنعم بها على عباده، ومن أهمها نعمة قبول التوبة وغفران الذنوب.
وما أتعس إنسانًا يغرق في المعاصي في وقتٍ ينادي الله فيه على عباده قائلًا: "هل من مستغفر فأغفر له؟ هل من مسترحم فأرحمه؟".
كما أن العمل الطيب في هذه الليلة الطيبة المباركة وطلب الرحمة والمغفرة من الله لهو دليل ساطع وبرهان قوي على حب العبد لربه،
لأن الحب ليس مجرد كلمة تُقال، أو خشوع مصطنع يظهر على الوجه، إنما هو ــ قبل كل شيء ــ فعل يحتاج إلى سلوك عملي يؤكده ويبرهن عليه.
ومن أعظم علامات الحب وأجملها أن يأتمر الإنسان من غير أمر وأن ينتهي من غير نهي، وكأن الحبيب مشغول بمحبوبه، يراقبه ويتابعه، حتى يرصد ما يحب وما يكره،
وحينها يقوم الحبيبُ بعمل ما يحبه المحبوب دون أن يُطلب منه، ويكف عما يكرهه دون أن يُطلب منه، وبهذا يكون الحبيب قد ائتمر من غير أمر، وانتهى من غير نهي.
فما بالنا إذا كان المحبوب هو الله عز وجل، وما بالنا إذا كان المحبوب ينادينا بنداء واضح صريح ومباشر، ويدعونا إليه! فما أسعد من يلبي النداء!،
وما أتعس من يتكاسل عن تلبيته أو يتقاعس! وما أشد تعاسة وقبح من يرتكب المعاصي والذنوب والله يناديه ويأمره بالاستغفار وطلب الرحمة!.
إن ليلة النصف من شعبان لهي نفحة من نفحات الله، وهدية من هداياه، و"إن لربكم في أيام دهركم نفحات، فتعرضوا لها، لعله أن يصيبكم نفحة منها فلا تشقون بعدها أبدًا"،
فما أسعد من يتحين الفرصة ويغتنم الأوقات المباركة التي فضل الله العمل فيها، ويستبق الخيرات، ويتقرب إلى الله بالفرائض والنوافل، فالمحروم هو من جعل هذه الأوقات في العمل والعبادة كغيرها.
أسأل الله العظيم رب العرش العظيم ألا تشرق شمس النصف من شعبان إلا وقد أثلج صدورنا بانتصار غزة وأهلها، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
مشرف وحدة رصد اللغة التركية بمرصد الأزهر لمكافحة التطرف